وضع داكن
11-12-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 036 ب - اسم الله الخالق 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

آيات قرآنية شرحت اسم الخالق:

 

1 – الآية الأولى:

أيها الإخوة الكرام؛ لا زلنا في اسم الله الخالق، ومن الآيات التي شرحت معنى هذا الاسم قوله تعالى:

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا (12)﴾

[ سورة الطلاق ]

من خلال هذه الآية يتضح أن علة خلق السماوات والأرض أن نعرف الله: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ .
 

التفكر علَّةُ خَلق السماوات والأرض:


أحياناً تُستخدم لام التعليل لبيان العلة، واسمها لام التعليل، أدرس لأنجح، آكل لأحافظ على وجودي، فهذه اللام لام التعليل، وعلة خلق السماوات والأرض أن نتفكر في خلق السماوات من أجل أن نعرفه، لأن الإنسان هو المخلوق الأول رتبة:

﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)﴾

[ سورة الأحزاب ]

فلما قَبِل حمل الأمانة كان المخلوق الأول، ولما قَبِل حملَ الأمانة سخر الله له:

﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (13)﴾

[ سورة الجاثية ]

والمُسَخَّر له أكرم من المُسخَّر، فالإنسان هو المخلوق الأول رتبة، لأنه حمل الأمانة، ولم يكن حينما قبِلها ظلوماً جهولاً، بل كان طموحاً، فلما قبِل حمْلها، ولم يقم بها: ﴿كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ فالآية تُفهم على معنيين؛ إما أنها استفهام إنكاري، حينما قبِل حمل الأمانة، لم يكن: ﴿ظَلُوماً جَهُولاً﴾ ، أما حينما حملها، وقصّر في حملها، ونسِي وعدَ الله عز وجل، ونسِي عهد الله عز وجل: ﴿كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً﴾ من هنا مكانة الإنسان بين أن يكون أعلى من الملائكة، وبين أن يكون أدنى من الحيوان، رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة، ورُكِّب الحيوان من شهوة بلا عقل، ورُكِّب الإنسان من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان.
 

كل الخير والسعادة بطاعة الله عز وجل:


لذلك: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا﴾ ماذا ينبغي أن نعلم؟ لأن كل الخير في طاعة الله، لأن كل السعادة في طاعة الله، لأن كل السلامة في طاعة الله، لأن كل العطاء في طاعة الله، لأن جنة الدنيا في طاعة الله، ولأن جنة الآخرة في طاعة الله، ومتى تطيعه؟ تطيعه حينما تعلم علم اليقين أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك.

من أيقن أن علم الله وقدرته تطوله لا يمكن أن يعصيه: 


لذلك اختار الله من بين أسمائه الحسنى التسعة والتسعين اسمين فقط في هذه الآية: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ حينما توقن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، تماماً كمواطن يقود مركبته، والإشارة حمراء، والشرطي واقف، وشرطي آخر على عجلات، وضابط مرور في سيارته، وهو مواطن من الدرجة الثانية، لا يمكن أن يعصي هذه الإشارة، لأن علم واضع قانون السير يطوله من خلال هذا الشرطي، فإذا انطلق ولم يعبأ فيمن يتبعه، فإذا تواطأ مع الأول هناك من يضبط هذا التواطؤ، أما متى يعصيه؟ إذا كان الوقت ليلاً ليس هناك أحد يراقبه، إذاً ما طاله علمُ واضع القانون، أو كان هذا المخالف أقوى مِن واضع القانون، ما دام يوقن أن علم واضع القانون يطوله، وأن قدرته تطوله، لا يمكن أن يعصيه: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ فيا أيها الإنسان:

أتحسب أنك جرم صغير                      وفيك انطوى العالم الأكبر؟

[ علي بن أبي طالب ]

* * *

أي:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7)﴾

[ سورة البينة  ]

أي خير ما برأ الله، قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6)﴾

[ سورة البينة  ]

في نهاية الآية: ﴿أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ﴾ فبين أن يكون الإنسان خير البرية، وبين أن يكون شر البرية، إذاً علة خلق السماوات والأرض، ونحن في اسم الخالق أن نعرفه، ثم نوقن بأن علمه يطولنا، وقدرته تطولنا، فنطيعه، فنسلم ونسعد بقربه في الدنيا والآخرة، هذه آية توضح معنى خلق السماوات والأرض. 

الآية الثانية:

أيها الإخوة؛ آية أخرى، الله عز وجل يقول:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)﴾

[  سورة الليل ]

أي كل إنسان حينما ينطلق من بيته هناك هدف أمامه، هذا ليكسب المال الحلال، وذاك ليكسب المال الحرام، هذا ليتزوج يسعى لشراء بيت، فيُحَصِّن نفسه بهذه الزوجة، وهذا ليزني، وهذا ليفعل خيراً، وهذا ليفعل سوءاً: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ أي في ستة آلاف مليون إنسان في دماغ كل هؤلاء ستة آلاف مليون هدف: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
 

سعي الإنسان يندرج تحت فريقين:


لكن هذا السعي يمكن أن يندرج في حقلين لا ثالث لهما، الحقل الأول: آمن أنه مخلوق للجنة، وأن الدنيا دار عمل، وليست دار أمل، وأن الدنيا دار تكليف، وليست دار تشريف، وأن الدنيا ممر وليست مقراً، آمن الفريق الأول أنه مخلوق للجنة، لذلك اتقى أن يعصي الله، حرص على استقامته، ولأنه مخلوق في الدنيا للجنة، ومن أجل أن يدفع ثمن الجنة في الدنيا عمل الأعمال الصالحة، بنى حياته على العطاء، بالتعبير المعاصر أي إستراتيجية المؤمن أنه يعطي.

﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)﴾

[ سورة البقرة ]

إذاً آمن أنه مخلوق للجنة، واتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، أي عرف الله فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم وسعِد في الدنيا والآخرة.
الفريق الآخر أيقن أنه مخلوق للدنيا، ولا شيء بعد الدنيا، فلما توهم هذا استغنى عن طاعة الله، لم يعبأ بالشرع، ولا بالحرام، ولا بالحلال، ولا بالمكروه، ولا بالواجب، ولا بما ينبغي، ولا ما لا ينبغي، استغنى عن طاعة الله، ولأنه مخلوق بحسب وهمه للدنيا بنى حياته على الأخذ.
فرق واضح، فرق صارخ، فرق بيّنٌ بين المؤمن وغير المؤمن، المؤمن بنى حياته على العطاء، يُسعِده أن يعطي، مقاييسه تختلف عن مقاييس غير المؤمن مئة وثمانين درجة، هذا يعطي، هذا يأخذ.
 

الناس أتباع نبيٍّ أو قويٍّ:


لذلك هؤلاء البشر يقع على رأس هرمهم زمرتان، الأقوياء والأنبياء، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأنبياء ملكوا القلوب، والأقوياء ملكوا الرقاب، الأقوياء عاش الناس لهم، والأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء يُمدحون في حضرتهم، والأنبياء يمدحون في غيبتهم، لهذا يُعدّ جميع الناس تَبَع لقوي أو نبي، ولهذا أحبّ الناس الأنبياء، وخافوا من الأقوياء، والقوي إذا تخلّق بخُلق النبي أحبه من حوله.
 

التقسيم الإلهي للبشر:


أيها الإخوة؛ هذا الكلام تؤكده الآية الكريمة:

﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6)﴾

[ سورة الليل ]

صدّق أنه مخلوق للجنة، فاتقى أن يعصي الله، وبنى حياته على العطاء، دقق:

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7)﴾

[ سورة الليل ]

يُيَسر لما خُلِق له، هو خُلِق للسعادة، خُلِق للسلامة، خُلِق للرقي، خُلِق لجنة عرضها السماوات والأرض، فالذي آمن بالله موجوداً، وواحداً، وكاملاً، واتقى أن يعصيه، وتقرّب إليه بالعمل الصالح فِعل الله يسوقه إلى الجنة.

﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)﴾

[ سورة يونس ]

الفريق الآخر:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9)﴾

[ سورة الليل ]

كذب أنه مخلوق أنه مخلوق للجنة، وصدّق أو توهم أنه مخلوق للدنيا، لذلك استغنى عن طاعة الله، لا يعبأ لا بحلال، ولا بحرام، ولا بواجب، ولا بفرض، ولا بسنة، ولا بيجوز، ولا بلا يجوز، ولا بما هو مُستَحب، ولا بما هو مكروه، ولا بما ينبغي، ولا بما لا ينبغي، يجلس مع من يشاء، يأكل ما يشاء، يقتنص الأموال كيف يشاء، يتابع شهوته كما يريد، استغنى عن طاعة الله، وبنى حياته على الأخذ، يتوهم أن ذكاءه في الأخذ لا في العطاء، في أن يأخذ مال الآخرين، جهد الآخرين، يتلقى خدمات الآخرين، أن يستعلي على الآخرين، له ما ليس لغيره، وعلى غيره ما ليس عليه، ﴿بَخِلَ﴾ بنى حياته على الأخذ، ﴿وَاسْتَغْنَى﴾ عن طاعة الله، ﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾ ﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾ لخلاف ما خُلِق له، خُلِق لجنة عرضها السماوات والأرض، هو الآن يمشي في طريق النار، في طريق الشقاء، في طريق البعد، في طريق الإحباط، في طريقة الألم، ولن تجد طريقاً ثالثاً، هذا التقسيم الإلهي، هذا تقسيم خالق السماوات والأرض، هو لماذا عصى الله؟ من أجل المال، لأن المال مادة الشهوات، بالمال يشتري أجمل بيت، بالمال يقتني أجمل مركبة، بالمال يتزوج أجمل امرأة، بالمال يستعلي على غيره، بالمال يرتدي أجمل الثياب، بالمال يأكل أطيب الطعام، اسمعوا الآية :

﴿ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11)﴾

[ سورة الليل ]

في القبر.
 

إلزام الله عز وجل ذاته العلية بهداية الخلق:


﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12)﴾

[ سورة الليل ]

على إذا جاءت مع لفظ الجلالة تعني الإلزام الذاتي، أي الله عز وجل ألزم نفسه ذاتياً بهداية الخلق، قال تعالى:

﴿ إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى (15) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى (16) وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)﴾

[ سورة الليل ]  

الآية الثالثة:

الآن في قوله تعالى:

﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2)﴾

[ سورة الفلق ]

من أين يأتي الشر؟ الله عز وجل كماله مطلق.

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

وهذا محور هذه الدروس، ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .
 

الشهوة بين صحة الطريق وفساد الاستعمال:


الشر يأتي من مخلوق قَبِل حمل الأمانة، فلما قَبِل حمل الأمانة أودع الله فيه الشهوات، ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، أُعطي حرية الاختيار، أُعطي منهجاً، المنهج الطريق، والشهوات المحرك، والاختيار الإرادة، سيارة تمشي على طريق يقودها إنسان عاقل، فإذا سَكِر هذا الإنسان، وشرب الخمر هوى في الوادي، نقول: هل هذا المصنع العظيم العملاق مسؤول عن تردي هذه السيارة في الوادي؟ لا، المسؤول مَن قادها وهو مخمور، ولم يعبأ بتعليمات الصانع، ونزل بها في الوادي فهلك، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( عن علي ابن أبي طالب  كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا استفتَح الصَّلاةَ كبَّر ثمَّ يقولُ : وجَّهْتُ وجهيَ للَّذي فطَر السَّمواتِ والأرضَ حنيفًا وما أنا مِن المُشرِكينَ إنَّ صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي للهِ ربِّ العالَمينَ لا شريكَ له وبذلكَ أُمِرْتُ وأنا أوَّلُ المُسلِمينَ اللَّهمَّ أنتَ الملِكُ لا إلهَ إلَّا أنتَ أنتَ ربِّي وأنا عبدُكَ ظلَمْتُ نفسي واعترَفْتُ بذَنْبي فاغفِرْ لي ذُنوبي جميعًا لا يغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ لبَّيْكَ وسعدَيْكَ والخيرُ كلُّه في يدَيْكَ والشَّرُّ ليس إليكَ أنا بكَ وإليكَ تبارَكْتَ وتعالَيْتَ أستغفِرُكَ وأتوبُ إليكَ. ))

[  صحيح ابن حبان  ]

الشر من مخلوق قَبِل حمل الأمانة فأودع الله فيه الشهوات، ليرقى بها إلى رب الأرض والسماوات، فلم يعبأ بمنهج الله، وتحرك بلا منهج، الله عز وجل قال:

﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50)﴾

[ سورة القصص ]

تحرك حركة عشوائية، بلا منهج، بلا ضابط، بلا قيم، بلا مبادئ، أراد إرواء شهوته بأي طريق، فشقي وهلك في الدنيا.
 

صفة الفردية في الخالق ونصيب المخلوق منها:


أيها الإخوة؛ ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ معنى آخر اجتهادي، وليس قطعياً مأخوذاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( عن عبد الله بن عمر: إن الله خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ. ))

[ صحيح ابن حبان ]

معنى اجتهادي، أي الله عز وجل من أسمائه ومن صفاته أنه فرد.

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)﴾

[ سورة الإخلاص ]

أَحَدي، هذه الصفة صفة الفردية والأحدية لكرامة الإنسان عنده أعطاها له، فأنت فرد، لا يُشبِهك أحد في الأرض، بقزحية عينك، وبنبرة صوتك، وبرائحة جلدك، وببصمة إبهامك، وبأشياء كثيرة منها الزمرة النسيجية، ومنها بلازما الدم، ومنها النطفة، يتميز الإنسان بأنه فردي، أي لا يوجد بالستة آلاف مليون إنسان تشبه قزحية عينه قزحية عينك، الآن في المطارات تؤخذ صورة القزحية على آلة تصوير، لا يمكن أن يأتي إنسان مع جواز آخر مزور، فقزحية العين هوية، بصمة الإبهام هوية، رائحة الجلد هوية، نبرة الصوت هوية، النطفة هوية، ليس في نطفة البشر نطفة تشبه نطفتك أبداً.
أيها الإخوة؛ لكرامة الإنسان عند الله خَلَقه على صورته، منحه الفردية، الله عز وجل مُريد، يفعل ما يريد، ولكرامة الإنسان عند الله منحه حرية الإرادة.

﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29)﴾

[ سورة الكهف ]

﴿ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)﴾

[ سورة الإنسان  ]

﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148)﴾

[  سورة البقرة  ]

منحك الفردية، ومنحك الحرية.
 

الإبداع صفة الخالق ونصيبُ المخلوق منها:


الله عز وجل:

﴿ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)﴾

[ سورة البقرة  ]

ولكرامة الإنسان عنده منحه القدرة على الإبداع عن طريق الجينات، صار هناك نبات مُهجّن، صار هناك حيوان مهجّن، صار هناك وردة سوداء، صار هناك نباتان بنبات واحد، لولا أن الله صمم مخلوقاته على أساس جيني لما استطاع الإنسان أن يبدع، ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يُبدع.
 

صفة العلمِ ونصيبُ الإنسان من الاجتهادِ:


﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

ولكرامة الإنسان عند الله سمح له أن يُشَرّع، عن طريق نص ظني الدلالة، لو أن كل آيات القرآن الكريم قطعية الدلالة، لا يوجد مُشرِّع، ولا يوجد مجتهد، ولا يوجد فقيه، ولا يوجد عالم، ولا يوجد أصول فقه، لا يوجد شيء إطلاقاً.
أي أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم، لا تحتاج هذه العبارة لا إلى الزمخشري، ولا إلى أبي حنيفة، ولا إلى الشافعي إطلاقاً، لا يختلف عليها اثنان في الأرض، أعطِ فلاناً ألفاً وخمسمئة درهم، أما إذا جاء النص: أعطِ فلاناً ألف درهم ونصفه، يا ترى على من تعود الهاء؟ على الألف أم على الدرهم؟ إن عادت على الألف المبلغ ألف وخمسمئة درهم، وإن عادت على الدرهم المبلغ ألف ونصف درهم، فالبخيل يفهم النص على أنه ألف ونصف درهم، والكريم ألف وخمسمئة، يُمتحن الناس بالنص ظني الدلالة، شاءت حكمة الله أن يكون في دينه، في قرآنه، وفي سنة نبيه نصوص ظنية الدلالة، يجتهد، يقولون: ما هو الاجتهاد؟ الاجتهاد يكون فيما لا نص قطعي الدلالة، أي:

﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)﴾

[ سورة التوبة ]

يا ترى نعطي الفقير قمحاً أم مالاً؟ شيء يحير، العلماء اختلفوا، لكن لماذا اختلفوا؟ لأن الفقير في الريف إن أعطيته القمح أكل طوال العام خبزاً مِن صنعه، أما إنسان يسكن في المدينة أعطه كيس قمح عبء، أين يطحنه؟ وأين يخبزه؟ فهذا النص ظني الدلالة، إذاً يمكن أن تعطي الزكاة نقداً، أو عيناً، فكل شيء متغير، متبدل بحسب البيئات جاء النص ظني الدلالة ليحتمل كل المتوقعات، فلذلك لكرامة الإنسان عند الله: ((إن الله خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ)) منحه حرية الاختيار، منحه الإبداع، منحه التشريع، منحه الفردية، هذا معنى اجتهادي: ((إن الله خَلَقَ آدَمَ على صورَتِهِ)) الله عز وجل خالق السماوات والأرض، وعود على بدء:

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)﴾

[ سورة البقرة ]

والخالق وحده هو الجهة التي ينبغي أن تُتبع تعليماتها، هو الجهة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها لأنه:

﴿ إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (14)﴾

[ سورة فاطر ]

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور